
فن إدارة المفاوضات في زمن الحروب (بين التسوية والمصالح)
فن إدارة المفاوضات في زمن الحروب (بين التسوية والمصالح)
اعداد: أ. د نادين الكحيل

تمهيد:
يعتبر مبدأ التسوية السلمية بفض المنازعات الدولية من المبادىء الاساسية في القانون الدولي العام
ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية.
تشكل المفاوضات إحدى أهم الوسائل الدبلوماسية لفض المنازعات بالطرق السلمية
ففي الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة حض الدول على حل المنازعات حلاً سلمياً، حيث نصت المادة 33 من الميثاق على التالي:
“يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.”
وبالتالي لجوء الدول الى حل منازعاتها الدولية عبر الطرق السلمية قد يسهم في تعزيز الاستقرار العالمي ويحافظ على السلم والامن الدوليين
ويجنب البشرية العديد من المخاطر والكوارث الناجمة عن الحروب التي تنعكس آثارها بشكل سلبي على المجتمعات.
ولما كانت المفاوضات هي افضل الطرق السلمية لحل المنازعات الدولية، سنتطرق إلى ابرز النقاط التالية:
(ماهية المفاوضات، عناصر ادارة المفاوضات، أساليب واستراتيجيات إدارة المفاوضات وانواعها
مهارات المفاوض ودوره في إدارة المفاوضات، مراحل المفاوضات).
أولًا: تعريف المفاوضات وإدارتها
المفاوضات هي عملية تفاعلية بين طرفين أو أكثر تهدف إلى التوصل لاتفاق يُرضي جميع الأطراف
من خلال تبادل الآراء والمعلومات، وعرض المصالح والمطالب، والسعي لإيجاد حلول وسطية أو عادلة.
وبتعبير آخر، ان المفاوضات هي عبارة عن مشاورات ومباحثات تجري بين دولتين او اكثر بقصد تسوية خلاف او نزاع قائم بينهما، ولا تخلو التسوية من مساومات وتنازلات، لذلك فإن فن ادارة المفاوضات يحتاج الى مهارات يمتلكها المفاوض ولعل ابرزها المرونة.
ان المفاوضات فن له اصوله وقواعده، فهناك شروط اساسية ابرزها:
- وجود نزاع حقيقي وملح حول مسألة محددة قد تكون طارئة ومزمنة.
- وجود مصلحة مشتركة لاطراف النزاع في ايجاد تسوية له.
حيث تشير إدارة المفاوضات الى العملية التي يتم من خلالها تنظيم وتوجيه التفاوض بين طرفين أو أكثر، بطريقة منهجية
لضمان تحقيق نتائج مرضية لجميع الأطراف. تشمل هذه العملية التحضير للمفاوضات، وتحديد الأهداف
واختيار الاستراتيجيات المناسبة، والتعامل مع المواقف المعقدة أثناء التفاوض، ومن ثم تنفيذ الاتفاقيات.
كما تنص المادة السابعة من اتفاقية قانون المعاهدات للعام 1969 على منح رؤساء البعثات الدبلوماسية صلاحية التفاوض
مع الدول التي يمثلون دولهم لديها، دون حاجة الى تفويض خاص، كذلك تمنح صلاحية لممثلي الدول لدى المنظمات الدولية .
ثانيًا: عناصر إدارة المفاوضات
هناك العديد من العناصر الأساسية والمشتركة بين كافة إشكال المفاوضات، ولعل ابرزها:
- التحليل: ينبع من فهم طبيعة النزاع أو الصفقة، وتحديد الأطراف المعنية، وتحليل المصالح والدوافع
كما ان امتلاك المعلومات يسهم في التفكير في بدائل وابتكار خيارات ووضع استراتيجيات واستخدام تكتيكات فعالة. - التخطيط: يشمل تحديد الأهداف، ووضع بدائل واستراتيجيات بناء على تحليل المعلومات المتوفرة
وتحديد “أفضل بديل في حال فشل التفاوض” . - التنفيذ: يعني دخول عملية التفاوض، والتفاعل مع الطرف الآخر بأساليب تواصل فعالة.
- التقييم والمتابعة: تعتمد على مراجعة سير التفاوض، وتوثيق الاتفاق، ومراقبة التنفيذ.
ثالثًا: أساليب واستراتيجيات إدارة المفاوضات وانواعها:
تتم المفاوضات بالطرق الدبلوماسية العادية او بطرق المؤتمرات الخاصة، وقد تتم المفاوضة داخل اطار منظمة دولية معينة
تبدأ المفاوضات بدعوة توجهها احدى الدول الى دولة اخرى او اكثر، وقد تكون مصحوبة بمشروع معاهدة مقترحة او قد تكون مجرد دعوة لتبادل وجهات لنظر حول موضوع معين.
كما هناك العديد من أساليب التفاوض، ابرزها:
- الأسلوب التعاوني (Win-Win) :
حيث يسعى الطرفان إلى الوصول إلى “حل يربح فيه الجميع”، واتفاق يحقق الفائدة المتبادلة،يستخدم هذا النوع في بناء علاقات طويلة الأمد. - الأسلوب التنافسي (Win-Lose) :
تركز على تحقيق أقصى قدر من الفائدة والمكاسب لطرف معين على حساب الطرف الآخر، وغالبًا ما تُستخدم عندما تكون العلاقة المستقبلية بين الطرفين غير مهمة. - الأسلوب التوفيقي (Compromising) :
يعتمد على تقديم تنازلات متبادلة من كلا الطرفين للوصول الى حل وسطي. - الانسحاب أو التأجيل:
يُستخدم عند غياب ظروف مناسبة للتفاوض.
كما تشكل المساومة جزء من عملية التفاوض ، حيث تعد احدى عمليات استخدام الاساليب القسرية أو ورقة ضغط ، لحمل الطرف الآخر على الإذعان لمطالبه.
رابعًا: مهارات المفاوض ودوره في إدارة المفاوضات
تقع على رئيس الدولة مسؤولية المفاوضات التي تعنى بالمعاهدات المهمة
ويحق لرئيس الوزراء او وزير الخارجية التفاوض نيابة عن الدولة ودون الحاجة الى استصدار تفويض خاص له
ويجوز ايضاً لأي وزير او دبلوماسي او موظف فني مزود بتفويض صريح ومكتوب صادر عن رئيس الدولة، تمثيل الدولة في مرحلة المفاوضات.
وبالتالي هناك العديد من الخصائص والمهارات التي يجب ان يمتلكها المفاوض، ولعل ابرزها التالي:
- الاستماع الفعال: لفهم الطرف الآخر ومخاوفه ، و تحديد الأهداف بوضوح.
- القدرة على الإقناع: تحليل الأطراف والبيئة المحيطة، لعرض الأفكار بطريقة جذابة ومقبولة، عبر اختيار الفريق التفاوضي المناسب، بالاضافة الى استخدام لغة الجسد بشكل واعٍ.
- التحكم في العواطف والانفعالات: للحفاظ على الهدوء في المواقف الصعبة.
- المرونة: للقدرة على التنازل دون التضحية بالأهداف الأساسية، عبر وضع خطة بديلة تحسبًا لفشل التفاوض.
- إدارة الوقت: القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تسرع أو تسويف.
خامساً: مراحل عملية التفاوض
تمر العملية التفاوضية بالعديد من المراحل التى تنتهي إما بالاتفاق او بالفشل، وأبرز مراحلها هي :
- التحضير: تقوم الاطراف بجمع المعلومات، وتحديد الأهداف، ودراسة الطرف الآخر، كما يعتبر امتلاك المعلومة عنصر تأثير مهم على الطرف الآخر.
- الافتتاح: تعد مرحلة بدء المفاوضات، حيث تعرض المواقف والمطالب بشكل واضح ومحترم، فكل طرف لديه مصالح متعارضة مع الطرف الآخر، وبالتالي تشكل هذه المرحلة عملية تبادل التأثير والتأثر، وتتضمن المناورات من كلا الطرفين.
- التفاوض الفعلي: تبادل العروض والمقترحات، والتعامل مع الخلافات.
- الوصول إلى اتفاق: صياغة النقاط المتفق عليها وتوثيقها.
- التنفيذ والمتابعة: التأكد من التزام الأطراف بما تم الاتفاق عليه.
لا توجد فترة زمنية محددة لانجاز المفاوضات، قد تنتهي بسرعة او تأخذ اعواماً
كما يتمتع الاطراف بحرية مطلقة في اختيار الاساليب والطرق لاجراء المفاوضات بشكل علني او سري
كما تدخل الضغوط كعوامل مؤثرة في اطراف المفاوضة على عدة اشكال (دعم عسكري، تعويضات مالية، تأييد سياسي، تهديد بالدمار ).
خاتمة:
تشكل الحروب والصراعات والنزاعات الدولية تحديات مفصلية للدول وتهديداً للسلم والامن الدوليين
بغض النظر عن اسبابها اكانت (سياسية ، اقتصادية، امنية، دينية، ثقافية….)، نظراً للتداعيات الخطيرة والآثار المدمرة التي تتركها على المجتمعات.
وبالتالي تعتبر الحلول السلمية والدبلوماسية احدى اهم الادوات الاساسية في ادارة النزاعات الدولية
حيث تسهم المفاوضات في تعزيز التفاهم والتعاون الدولي، فهي أداة حيوية وركيزة اساسية في بناء المجتمعات وتنمية الأعمال وإدارة العلاقات
حيث ان إدارة المفاوضات ليست مجرد حوار أو تبادل للمطالب وتحقيق للمصالح، بل هي عملية استراتيجية تتطلب الفهم العميق للأهداف، والقدرة على التأثير، والمرونة في التعامل مع المتغيرات الدولية المستمرة.
الأسئلة الشائعة:
المفاوضات هي إحدى أهم الوسائل الدبلوماسية لفض المنازعات بالطرق السلمية، حيث تدعم مبدأ التسوية السلمية المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. تسهم في تعزيز الاستقرار العالمي والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتجنب البشرية الكوارث والآثار السلبية للحروب، وتساعد في التوصل لاتفاقات مرضية تحقق المصالح المشتركة.
تتضمن العناصر الأساسية لإدارة المفاوضات التحليل (فهم النزاع والأطراف وامتلاك المعلومات)، والتخطيط (تحديد الأهداف ووضع الاستراتيجيات والبدائل)، والتنفيذ (الدخول في عملية التفاوض والتفاعل بفاعلية)، والتقييم والمتابعة (مراجعة الاتفاق وتوثيقه ومراقبة تنفيذه).
أبرز أساليب التفاوض تشمل: الأسلوب التعاوني (Win-Win) الذي يسعى لنتائج تحقق الفائدة للجميع، والأسلوب التنافسي (Win-Lose) الذي يهدف لتحقيق أقصى مكاسب لطرف واحد على حساب الآخر، والأسلوب التوفيقي (Compromising) الذي يعتمد على تنازلات متبادلة، وأخيرًا، الانسحاب أو التأجيل عند عدم وجود ظروف مناسبة.
يجب أن يمتلك المفاوض الناجح مهارات متعددة، أبرزها: الاستماع الفعال لفهم الطرف الآخر وتحديد الأهداف بوضوح، القدرة على الإقناع وعرض الأفكار بطريقة جذابة، التحكم في العواطف والانفعالات للحفاظ على الهدوء، المرونة في تقديم التنازلات دون التضحية بالأهداف الأساسية، وإدارة الوقت لاتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات الحاسمة.