
نظم إدارة السلامة والصحة المهنية: من الامتثال إلى الثقافة المؤسسية
نظم إدارة السلامة والصحة المهنية: من الامتثال إلى الثقافة المؤسسية
إعداد: د. مصطفى ركين
تعد السلامة والصحة المهنية عنصرًا محوريًا في بيئة العمل الحديثة. لا تقتصر أهميتها على البعد الإنساني وحماية العامل فقط. بل تمتد لتشمل استدامة الإنتاج وتعزيز الكفاءة. كما تهدف إلى تقليل التكاليف الناتجة عن الحوادث والإصابات المهنية. تطورت البيئات الصناعية والخدمية بشكل ملحوظ. ونتيجة لذلك، ظهرت الحاجة إلى أطر تنظيمية واضحة. تسهم هذه الأطر في دمج ممارسات السلامة ضمن منظومة العمل الكلية. وقد تحقق ذلك بالفعل عبر نظم إدارة الصحة والسلامة المهنية (Occupational Health and Safety Management Systems – OHSMS).
التعريف والمفهوم
تعرّف نظم إدارة السلامة والصحة المهنية بأنها إطار من السياسات والإجراءات. تطبق المؤسسات هذا الإطار للتعرف على المخاطر المهنية وتقييمها. بعد ذلك، تتحكم في هذه المخاطر من خلال تطبيق منهجي للإجراءات الوقائية. تسعى هذه النظم إلى التحسين المستمر لأداء المؤسسة في مجال السلامة. وهذا يتجاوز مجرد الامتثال البسيط للوائح والتشريعات القانونية.
معيار ISO 45001:2018
الخلفية:
صدر معيار ISO 45001 في عام 2018. يعد هذا أول معيار دولي معتمد لنظم إدارة السلامة والصحة المهنية. وقد جاء ليحل محل معيار OHSAS 18001. بالإضافة إلى ذلك، يقدم هذا المعيار إطارًا شاملًا. وهو يمكّن المؤسسات من بناء نظام متكامل وقابل للتطبيق في مختلف السياقات.
المكونات الأساسية:
يتضمن ISO 45001 مجموعة من المبادئ الأساسية:
- السياق التنظيمي: فهم بيئة العمل الداخلية والخارجية وتحديد الأطراف المعنية.
- القيادة والمشاركة: التزام الإدارة العليا ودعمها للنظام.
- التخطيط: تحديد المخاطر والفرص، وتقييم المطابقة القانونية.
- الدعم: إدارة الموارد البشرية، التدريب، والتوثيق.
- العمليات: التحكم التشغيلي، الجاهزية للطوارئ، إدارة التغيير.
- التقييم والتحسين: التدقيق الداخلي، مراجعة الإدارة، إجراءات التحسين المستمر.
من الامتثال إلى الثقافة المؤسسية
الامتثال التنظيمي
يعني الامتثال التزام المؤسسة بالقوانين والتشريعات الوطنية. تتعلق هذه التشريعات بالسلامة والصحة المهنية. وهو شرط أساسي، لكنه لا يكفي لضمان بيئة عمل مستدامة وآمنة.
الثقافة المؤسسية للسلامة
تشير ثقافة السلامة إلى تبني المؤسسة لقيم وممارسات محددة. هذه الممارسات تجعل السلامة جزءًا أصيلًا من السلوك اليومي للأفراد. نتيجة لذلك، تصبح السلامة مسؤولية جماعية. فهي لا تعود حكرًا على قسم السلامة فقط. تبنى هذه الثقافة عبر التدريب المستمر، والشفافية في الإبلاغ عن المخاطر. وكذلك مشاركة جميع المستويات الوظيفية في صنع القرار.
التحديات في التطبيق
- ضعف الالتزام الإداري، خاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
- نقص الموارد البشرية المؤهلة في مجال إدارة نظم السلامة.
- عدم توفر بيانات دقيقة لتحليل الحوادث والمخاطر.
- المقاومة الثقافية للتغيير داخل بيئات العمل التقليدية.
- غياب نظم رقابة ومتابعة فعالة داخل المؤسسة.
التوصيات
- إدماج مفاهيم إدارة السلامة ضمن المناهج الأكاديمية لطلاب هذا الاختصاص.
- تطوير برامج تدريبية متخصصة في ISO 45001 وتطبيقاتها العملية.
- تشجيع المؤسسات على الانتقال من نهج الامتثال القانوني إلى تبني ثقافة استباقية. ويجب أن تكون هذه الثقافة قائمة على التحسين المستمر.
- بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص لتبادل الخبرات في هذا المجال.
كلمة للطلاب
تشكل نظم إدارة السلامة والصحة المهنية حجر الزاوية في جهود المؤسسات. فهي تسعى نحو بيئة عمل أكثر أمانًا واستدامة. مع ذلك، لا يكفي أن تلتزم المؤسسة بالحد الأدنى من المتطلبات القانونية. بل يجب عليها أن تتبنى نهجًا استراتيجيًا. يعزز هذا النهج من ثقافة السلامة كقيمة مؤسسية. وهنا تبرز أهمية تأهيل الطلاب والمتخصصين. يجب أن يفهموا الأبعاد التنظيمية والإدارية لهذا الاختصاص. وهذا يعدّهم لقيادة جهود التحسين في مؤسسات الغد.