
مستقبل العمل الإنساني وتحدياته في ظل الذكاء الاصطناعي
مستقبل العمل الإنساني وتحدياته في ظل الذكاء الاصطناعي
اعداد: أ. د نادين الكحيل
تمهيد:
تشكل النزاعات والكوارث إحدى أهم التحديات التي تواجه العمل الإنساني في كل من غرب آسيا وشمال افريقيا، نظراً للمخاطر التي تحيط به، بالرغم من ان القانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف الاربع والبروتوكلين الاضافيين تضمنت ضرورة حماية الاطقم الطبية والفرق الاسعافية التي تؤدي دوراً انسانياً سامياً لمساعدة الضحايا والجرحى في زمن السلم والحرب على حد سواء، فالعاملون في المجال الإنساني يغامرون في عمق المناطق المنكوبة وعلى الخطوط الأمامية للنزاع سعياً لإنقاذ الأشخاص ومساعدة المحتاجين وحمايتهم.
شهد العمل الإنساني تحولاً مفصلياً مع الثورة التكنولوجية، وعلى الرغم من أن أهداف العمل الإنساني تتمثل في إنقاذ الأرواح، تلبية احتياجات المتضررين، وتخفيف المعاناة والحفاظ على كرامتهم وحماية حقوقهم في أوقات الأزمات والكوارث وفي أعقابها، فالعمل الإنساني له بعدان مترابطان بشكل لا ينفصلا: حماية الناس وتقديم المساعدة، إنه متجذر في المبادئ الإنسانية وهي: الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، والاستقلالية.
فإن دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجال العمل الإنساني يطرح فرصاً كبيرة لتحسين الكفاءة والاستجابة عبر تحسين جودة الحياة للافراد والمجتمعات المحتاجة ورفع كفاءة المنظمات الخيرية والانسانية ، فوفق رئيس ومدير شركة مايكروسوفت براد سميث فإن “الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات بالاضافة الى الخبرة في العلوم البيئية والمساعدات الانسانية، ستساعد في انقاذ المزيد من الارواح وتخفيف المعاناة عن طرق تحسين الطرق التي تتنبأ بحدوث وتعزيز وسائل للتعامل مع الكوارث قبل او بعد وقوعها”. ولكنه في المقابل، يثير تحديات أخلاقية وتنظيمية وتقنية تحتاج إلى معالجة عاجلة. كل ذلك يطرح اشكالية مفادها: كيف يمكن للتطور التكنولوجي بما في ذلك الذكاء الاصطناعي مستقبلاً المساهمة في تطوير العمل الإنساني ؟
فلسفة الممارسة التعليمية: كيف تؤثر على استخدام تقنيات التعلم الإلكتروني؟
أولاً- الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي للعمل الإنساني:
يسهم الذكاء الاصطناعي بتحسين العمل الإنساني لما يوفره من بيانات ضخمة تؤدي الى سرعة في الاستجابة وتسمح بتوجيه الموارد وتوزيع المساعدات ودعم العمل الميداني بالاضافة الى المساهمة في نشر حملات التوعية والتثقيف في القضايا الانسانية الهامة، وهنا أبرز هذه الفرص:
-
تحسين سرعة الاستجابة للأزمات:
من خلال أتمتة المهام الادارية والخدمات اللوجستية عبر استخدام خوارزميات التنبؤ لتحليل بيانات الطقس والمناخ للتنبؤ بالكوارث الطبيعية(الفيضانات، الاعاصير، الزلازل..) قبل حدوثها، مما يوفر الوقت والموارد ويساهم في توفير إنذارات مبكرة تساعد في التخطيط المسبق والاستجابة السريعة مما قد يؤدي الى تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات.
-
تحليل البيانات الضخمة:
يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات القادمة من مناطق النزاع أو الكوارث، ما يساعد في تحديد الاحتياجات الضرورية.
-
توجيه الموارد بكفاءة:
عبر استخدام النماذج التحليلية لتحسين توزيع المساعدات وادارة الموارد بناءً على البيانات الجغرافية لتحديد المناطق الاكثر فقراً واضطراباً ، وبالتالي تحديد الأولويات الفعلية .
-
توجيه المساعدات الطبية:
يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين الرعاية الصحية عبر استخدام بعض التقنيات لتشخيص الامراض وتحليل البيانات الطبية بسرعة ودقة.
-
دعم العمل الميداني:
عبر استخدام الروبوتات والطائرات المسيرة لتسليم الإمدادات (الطعام، الادوية…) إلى المناطق النائية أو الخطرة أو المتضررة، بالاضافة الى تسهيل التواصل مع المجتمعات المحلية متعددة اللغات عبر تطبيقات وأدوات الترجمة الفورية.
ثانياً- التحديات التي تواجه العمل الإنساني في ظل الذكاء الاصطناعي:
نظراً للتطورات التكنولوجية المتسارعة ، يواجه العمل الإنساني مجموعة من التحديات والصعوبات ، تتمثل بالآتي:
-
التحديات الأخلاقية:
تتمثل من خلال انتهاك الخصوصية نتيجة جمع بيانات حساسة عن المتضررين واللاجئين والمحتاجين، بالاضافة الى امكانية حدوث خطأ خوارزمي الذي قد يؤدي إلى التحيز وتهميش بعض الفئات الاجتماعية وحرمانها من الخدمات الاجتماعية.
-
الفجوة التكنولوجية:
تحدث عند عدم توفر البنية التحتية الرقمية في العديد من المناطق المتأثرة بالأزمات، نظراً لكلفتها العالية، مما قد ينعكس صعوبة في تدريب الكوادر المحلية على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
-
الاعتماد المفرط على التكنولوجيا:
قد يؤدي الى تقليل الدور البشري في اتخاذ القرارات الميدانية الحساسة، فقد تؤدي اتمتة المهام الى فقدان الوظائف، مع احتمالية فشل الأنظمة التقنية في الظروف المعقدة أو الطارئة.
-
الإطار القانوني والتنظيمي:
تتمثل في غياب معايير دولية واضحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الإنساني، بالاضافة الى تحديات تتعلق بالمساءلة القانونية في حال حدوث أضرار أو أخطاء.
ثالثاً- استراتيجيات التكيف وضمان الاستخدام الآمن:
وضعت الامم المتحدة (الاسكوا) استراتيجية للذكاء الاصطناعي كدليل وطني، عبر التطرق الى أبرز وأهم المكونات التي تدعم استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الناجحة ، وتم ايجازها بما يلي:
- ضمان التشريعات صديقة للابتكار.
- تغيير دور الحكومة ليكون عامل تمكين للابتكار وضمان أن البنية التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي متاحة للجميع.
- أثر الذكاء الاصطناعي على الوظائف: يجب على البلدان تحديث المناهج الدراسية لتشمل مهارات البرمجة، والمهارات التي لا يمكن للحواسيب أو الآلات القيام بها مثل التفكير النقدي والتعاون وبناء الفريق والمهارات الاجتماعية والعاطفية
- التركيز على البعد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي والإرشادات التوجيهية للبرمجة المسؤولة.
- الحاجة إلى نشر الوعي بين السكان حول فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز الصناعة المبنية على الذكاء الاصطناعي، والتي يصعب تنميطها.
- تباين القطاعات الرئيسية للذكاء الاصطناعي من دولة إلى أخرى، ولكنها تعتمد أساساً على التنافسية والأولويات الوطنية.
وبناء لذلك يمكننا استخلاص أبرز العناصر التي تضمن حماية العمل الإنساني في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي، وهي:
-
تعزيز الشفافية:
نشر معايير واضحة حول كيفية جمع البيانات ومعالجتها، مع إخضاع الخوارزميات لتدقيق مستقل لتقليل التحيزات.
-
بناء القدرات المحلية:
عبر توفير بنية تحتية رقمية مرنة في المناطق النامية، وتدريب العاملين في المجال الإنساني على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
-
التكامل بين الإنسان والآلة:
ضرورة الإبقاء على القرار النهائي بيد العاملين الميدانيين، مع دعمهم بالأدوات الذكية.
-
إطار دولي منظم:
تطوير ميثاق أخلاقي دولي يحدد حدود وآليات استخدام الذكاء الاصطناعي في الأوضاع الإنسانية.
خاتمة:
يتضح مما تقدم، ان الذكاء الاصطناعي يمثل سلاحاً ذو حدين في مجال العمل الإنساني؛
فهو قادر على إحداث قفزة نوعية في تعزيز العمل الخيري والانساني من خلال توظيف التكنولوجيا بذكاء
مما يسهم في تحقيق الكفاءة والسرعة ودقة الاستجابة وتقديم المساعدات وتوفير الحمايا لضحايا الازمات والنزاعات المسلحة
لكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر جدية ومتعددة ، إذا لم تتم إدارته بحكمة وشفافية.
ففي الختام، ومع تصاعد الازمات الانسانية والكوارث الطبيعية خلال السنوات الاخيرة
لا بد من التأكيد على ضرورة تنسيق الجهود وتعزيز الاستجابة الإنسانية، وتذليل التحديات الإنسانية
من خلال الالتزام بمبادئ القانون الدولي والانساني، حيث إن مستقبل العمل الإنساني
في ظل الذكاء الاصطناعي سيتحدد بقدرتنا على تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية، بحيث تظل القيم الإنسانية في صلب كل استخدام تكنولوجي.