
مبدأ حظر استخدام القوة في القانون الدولي
مبدأ حظر استخدام القوة في القانون الدولي

د. فراس سعد الدين
المقدمة
يعد مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي المعاصر، وقد حظي باهتمام خاص بعد الحرب العالمية العالمية الثانية، حين اجتمع المجتمع الدولي لصياغة ميثاق الأمم المتحدة بهدف منع تكرار ويلات الحروب. وجاء هذا المبدأ ليرسّخ فكرة أن اللجوء إلى القوة لم يعد أداة مشروعة في السياسة الخارجية للدول، باستثناء حالات محددة بدقة ضمن نصوص القانون الدولي.
إن الحظر المفروض على استخدام القوة لا يعبر فقط عن رغبة قانونية، بل يعكس تحولا جذريا في فلسفة العلاقات الدولية، من قانون القوة إلى قوة القانون، ويهدف إلى تحقيق الأمن الجماعي وحماية السيادة والاستقرار الدوليين.
الأساس القانوني لحظر استخدام القوة:
المادة 2 (الفقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة:
“يمتنع جميع أعضاء الهيئة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي نحو لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة.”
هذه المادة تشكل القاعدة العامة التي تحظر استخدام القوة أو حتى التهديد بها في العلاقات الدولية. ويلاحظ أن الحظر لا يقتصر على الاستخدام الفعلي، بل يشمل أيضا التهديد باستخدامها، ما يعكس رغبة المجتمع الدولي في الحد من كل ما يثير النزاعات.
قرار الجمعية العامة رقم 2625 لسنة 1970
المعروف باسم: إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، وقد جاء فيه:
“كل دولة ملتزمة بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها كوسيلة لحل النزاعات الدولية أو لتحقيق مصالح وطنية.”
– استثناءات حظر استخدام القوة
رغم الطابع الإلزامي لهذا المبدأ، فإن القانون الدولي يجيز بعض الاستثناءات التي تعد مشروعة قانونا، شريطة توافر شروط دقيقة:
1- الدفاع الشرعي (المادة 51 من الميثاق)
تنص المادة على أن:
“ليس في هذا الميثاق ما يضعف الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم في حال تعرضهم لهجوم مسلح…”
شروط الدفاع الشرعي:
- أن يكون هناك هجوم مسلح فعلي.
- أن يكون الرد متناسبا مع حجم العدوان.
- أن يكون الهدف دفع العدوان فقط وليس الانتقام أو العقاب.
2- تفويض مجلس الأمن الدولي (الفصل السابع)
عندما يقرر مجلس الأمن أن هناك تهديدا للسلم أو خرقا له أو عملا من أعمال العدوان، يملك صلاحية اتخاذ إجراءات، منها استخدام القوة العسكرية.
أمثلة:
- حرب الخليج الثانية (1990-1991) لطرد القوات العراقية من الكويت.
- التدخل في ليبيا (2011) لحماية المدنيين بموجب القرار 1973.
3- طلب الدولة المتضررة
عندما تطلب دولة ذات سيادة من دولة أخرى مساعدتها عسكريا داخل حدودها، فإن ذلك لا يعد استخداما غير مشروع للقوة، لأنه يتم بناء على موافقة سيادية.
– مظاهر استخدام القوة المحظورة
رغم الحظر، لا تزال بعض الدول تمارس أو تبرر التدخل العسكري بذرائع متعددة. ومن أبرز مظاهر استخدام القوة بشكل غير مشروع:
- العدوان العسكري المباشر الاحتلال، الضربات الجوية، القصف.
- التهديد باستخدام القوة مثل الحشود العسكرية على الحدود.
- الحرب بالوكالة تسليح جماعات مسلحة داخل دولة ما.
- الضربات الاستباقية بحجة وجود تهديد مستقبلي، دون تحقق شروط الدفاع الشرعي.
- التدخل لأغراض سياسية أو تغيير الأنظمة كما حصل في العراق عام 2003.
– حالات عملية على خرق أو احترام المبدأ
1- العدوان الأمريكي على العراق (2003):
ادعت الولايات المتحدة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ويشكل تهديدا، لكنها لم تحصل على تفويض من مجلس الأمن. وقد اعتبرت الغالبية من القانونيين الدوليين أن الحرب تمثل خرقا صريحا لمبدأ حظر استخدام القوة.
2- حرب روسيا على أوكرانيا (2022):
تذرعت روسيا بأنها تتدخل لحماية سكان إقليم دونباس ولمنع تمدد حلف الناتو. لكن معظم دول العالم اعتبرت ذلك عدوانا على دولة ذات سيادة، وانتهاكا للمادة 2(4) من الميثاق.
3- تدخل الناتو في كوسوفو (1999):
تم دون تفويض من مجلس الأمن، لكنه برّر من بعض الدول على أساس “التدخل الإنساني”. وقد أثار ذلك جدلا قانونيا حادا حول مشروعية تجاوز الميثاق بحجة حماية المدنيين.
– تطورات المبدأ في ظل التحديات المعاصرة
مع تطور وسائل التكنولوجيا والاتصال، ظهرت أشكال جديدة من القوة قد تندرج ضمن نطاق الحظر، مثل:
- الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحيوية لدول أخرى.
- الاغتيالات عبر الطائرات بدون طيار (Drones).
- حروب المعلومات والتلاعب الانتخابي.
وهذه الأنواع الجديدة لا تزال محل اجتهاد وتطوير قانوني، حيث تسعى المحاكم والهيئات القانونية لتحديد ما إذا كانت ترقى إلى “استخدام للقوة” بمفهوم المادة 2(4).
– العلاقة بين حظر استخدام القوة وحق الشعوب في تقرير المصير
ميثاق الأمم المتحدة والمواثيق اللاحقة مثل “إعلان الجزائر” أكدت أن الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الاستعمار تملك الحق في استخدام القوة لتحرير نفسها. وهذا يعد استثناء فريدا من مبدأ حظر استخدام القوة، يربط بين احترام السيادة وتحقيق العدالة.
خاتمة
رغم أن مبدأ حظر استخدام القوة يمثل إحدى أعمدة القانون الدولي، فإن فعاليته على أرض الواقع تبقى رهينة:
- التزام الدول القوية بالقانون.
- حياد مجلس الأمن وعدم تسييس قراراته.
- تفعيل آليات المحاسبة الدولية.
ومع تعدد الانتهاكات، يظل هذا المبدأ ضرورة ملحة لتجنب الفوضى الدولية، وتعزيز النظام القانوني العالمي القائم على السلم والأمن الدوليين واحترام سيادة الدول.
المراجع:
- عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام: الكتاب الأول – المبادئ العامة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن (الطبعة الثالثة). رابط من دار الثقافة
- فتحي الشاذلي، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016. رابط من دار النهضة
- ميثاق الأمم المتحدة – الموقع الرسمي للأمم المتحدة.